الاعجاز البياني في القرآن ..حكم حرف الجر "الى"
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله واصحابه ومن والاه
ايها الاخوة والاخوات نلفت انتباهكم في هذا الموضوع الى عظمة
القرآن الكريم واعجازه الشامل
كما للغة الضاد حصة كبيرة في هذا
الاعجاز
فلكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته : ,
على حسب ما اشتهر به قومه وبرعوا فيه,
فكانت معجزة موسى عليه السلام لما اشتهر به قومه من السحر,
ومعجزة عيسى عليه السلام لشهرة قومه بالطب,
وكانت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن
لقدرة قومه اللغوية وفصاحتهم وبراعتهم بالبلاغة وأسرارها,
وكان هذا القران يسير على قواعد اللغة المعروفة,
ولكنه يتفرد بنهج خاص في استخدامها وهذا احد أسرار إعجازه.
والاعجاز في
القرآن الكريم له اوجه متعددة منها
الاعجاز البياني اللغوي
قال تعالى: (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر:28)
وفي
القرآن الكريم يتجلى
الاعجاز اللغوي في كل آية وفي كل كلمة لا بل في كل حرف
فمهما بحث النحاة ومهما اكتشفوا فإن ذلك لا يرقى الى قطرة ماء في بحور
الاعجاز الرباني
ولو بحثنا في كتاب الله تعالى عن حرف الجر" الى "لوجدناه يتكرر( 403)
مرة ولكن ليس بالمعنى
الذي نفهمه ولا بالكيفية التي نستخدمه فيها ،
ففيه الكثير من الدلالات والمعاني والاعجاز
ولو توغلنا قليلا في بطون كتب اللغة
لوجدنا ان حرف الجر" الى" له ثمان معان
وهي:
1.انتهاء الغاية في المكان و الزمان و هو أصل معانيها ،
2. بمعنى ( مع ) ،
3.بمعنى( التبيين) ،
4. بمعنى ( اللام ) ،
5.بمعنى (في ) ،
6. بمعنى ( من )
7. ، بمعنى ( عند )
8. و قد تكون زائدة
وسأركز في موضوعي على التسلسلين الاول والثاني
وهو حكم "الى"
بمعنى " إنتهاء الغاية في الزمان والمكان "
بشرط اختلاف النوع
والحكم الاخر بمعنى (مع)
شريطة وحدة النوع
فإذا دخلت (الى) على مختلفين كالليل والنهار يكون حكمها هو انتهاء الغاية في الزمان والمكان
ففي الاية (187) من سورة البقرة " وَكُلُوا۟ وَاشۡرَبُوا۟ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الۡخَيۡطُ الأَبۡيَضُ مِنَ الۡخَيۡطِ الأَسۡوَدِ مِنَ الۡفَجۡرِ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ الصِّيَامَ ( إِلَى) الَّليۡلِ...
وهنا ..
يتبين لنا اباحة الاكل والشرب حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود
كما فهمها عدي بن حاتم :
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) ولم ينزل ( من الفجر ) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله تعالى ( من الفجر ) فعلموا إنما يعني الليل والنهار وقال الإمام أحمد ( 4/377 ) حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن الشعبي أخبرني عدي بن حاتم قال لما نزلت هذه الآية ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض قال فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر إليهما فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال إن وسادك إذا لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل أخرجاه في الصحيحين ( خ 1916 4509 م 1090 ) فإنهما بياض النهار وسواد الليل فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب وهكذا وقع في رواية البخاري ( 4509
وتحدد الاية الشريفة ايضا وقت الافطار في ايام رمضان ب "اتموا الصيام الى الليل "
وهذا يعني انتهاء الغاية عند بداية وقت الليل وهو وقت اذان المغرب عند اهل السنة والجماعة
وبهذا نستدل الحكمة من تعجيل الافطار
حيث أن اليوم الهجري يبدأ بعد آذان المغرب مباشرة فإن تأخير الافطار قد يتداخل مع اليوم التالي بدليل أن المسلم ينتهي صيامة بنهاية اليوم وهو دخول صلاة المغرب .. و دليل آخر أن تكبيرات العيد تبدأ وتنتهي بدخول وقت صلاة المغرب
ومن الطريف أن محافظة نينوى في العراق يبدأ عندهم اليوم التالي في التاريخ الهجري في الدقيقة الاولى من بدء الليل حيث تفترق عقارب الساعة عن الثانية عشرة مما يجعل تعجيل الافطار سببا في عدم الدخول في توقيت اليوم التالي والمسلم لا زال صائما
أما الحكم الاخر لحرف
الجر "الى "اذا دخلت على متشابهين في كتاب الله تعالى
وَآتُوا۟ الۡيَتَامَىٰ أَمۡوَالَهُمۡ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا۟ الۡخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأۡكُلُوا۟ أَمۡوَالَهُمۡ إِلَى أَمۡوَالِكُمۡ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
هنا نجد" ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم"بمعنى مع أي " لا تأكلوا اموالهم مع اموالكم "
هذان مثالان على احكام ودلالات الحرف في كتاب الله ,وكما اسلفنا فإن لحرف
الجر (الى ) ثمانية معان تناولنا في بحثنا معنيين منها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته