/* */

PDA

View Full Version : Roger Garaudy --



جوري
01-19-2008, 07:22 PM
الإسلام قاتل جارودي

هادي يحمد

الفيلسوف الفرنس المسلم روجيه جارودي
في بيته المتواضع في شرق العاصمة الفرنسية باريس يقضي الفيلسوف الفرنسي المسلم "روجيه جارودي" بقية أيام حياته بعد أن منع من الحديث في الصحافة وعتم على نشاطه وإنتاجه الفكري بعد أن اتهم "بمعاداة السامية"؛ عقب نشر كتابه الذي أثار ضجة في فرنسا حول "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية".
الرجل الهرم الذي استقبلني في بيته صحبة زوجته في خريف سنة 2005 واللذان يقطنان في شقة متواضعة تشرف على نهر السين، كان مشروع "مثقف القرن" بفرنسا لولا حدث قلب حياته رأسا على عقب هذا الحدث هو بلا شك "اعتناقه الإسلام"، وربما لخصت وقائع المحاكمة التي أجريت لجارودي في عام 1990 مسيرة حياة الرجل الدرامية على جميع المستويات ورحلة البحث التي لم تنته حول الحقيقة، وحول إضفاء معنى للأفكار ولحياته وللإنسانية، حيث يقول جارودي في أول أيام المحاكمة متوجها لقاضيه وللجمهور الحاضر في قاعة المحكمة: "إنني أستاذ جامعي متقاعد، وكاتب ألفت 54 كتابا وترجمت كتبي إلى 29 لغة وقدمت عني 22 أطروحة جامعية، وقد قاومت النازية في أثناء الاحتلال، ونفيت طيلة 33 شهرا في الجزائر، وكنت عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لكنني فصلت من الحزب عام 1970؛ لأنني قلت إن الاتحاد السوفيتي ليس بلدا اشتراكيا، كما عملت 14عاما كنائب في الجمعية الوطنية (البرلمان) ثم اعتنقت الإسلام"(1).

متهما بمعاداة السامية

طالع:
جارودي الإنسان كما تحدثت عنه زوجته

لخص جارودي في هذه الأسطر رحلة حوالي ثمانين عاما من البحث الفكري والعمل النضالي وفي قضية "المحاكمة بالذات" والتي انتهت بالقضاء على الصورة الإعلامية لجارودي واتهامه بمعاداة السامية يلخص جارودي في محاورته مع قاضيه "جون إيف مونفورا" هذا المخاض الفكري الذي عاشه طيلة حياته كفيلسوف ومفكر ومناضل، ويحاول إقناع القاضي دون جدوى بالخيط الرفيع الذي يفصل بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، حيث يدور الحوار التالي بينهما في اليوم الأول للمحاكمة:

"جارودي:.. إنني لم ألبس القفازات عندما كتبت الحقائق، ولهذا تم إقصائي.

القاضي: لكن أفكارك تغيرت 90 درجة.. كيف تفسر ذلك؟

جارودي: عندما منحت جائزة الملك فيصل قلت إني دخلت الإسلام حاملا بيدي الإنجيل وباليد الأخرى كتاب (رأس المال) لماركس.. وإنني أؤمن بالأديان التوحيدية الثلاثة، فما معنى التحول في آرائي؟

القاضي: ألا تعتقد بأن التسلح بالعداء للصهيونية يخفي وراءه العداء للسامية؟

جارودي: إن النضال ضد السياسة الصهيونية لدولة إسرائيل التي هي الغذاء الوحيد للموقف العدائي ضد السامية يؤلف جزءًا من نضالي ضد اللاسامية. لقد قلت واكرر هنا: اليهودية دين أحترمه ولكن الصهيونية إيديولوجيا أحاربها..."(2).

طبعًا لم يقنع جارودي حينها قاضيه ولم يقنع الآلة الإعلامية الفرنسية التي شنت ضده حملة لا سابق لها ضد مفكر فرنسي ومناضل قاوم النازية، وسجن في معسكر اعتقال نازي في الصحراء الجزائرية، فلقد مثلت هذه المحاكمة في نظر الكثيرين منعرجًا في الحياة الفكرية والسياسية الفرنسية أصبح فيها لسلاح "معاداة السامية" معنى حقيقي وقانوني وردعي، وأسدل الستار بعدها وللأبد في الإعلام الفرنسي وفي المنتديات الفكرية والسياسية على شخصية "روجيه جارودي" فقد دفن الرجل حيًّا على حد تعبير صديقه الأب "ميشال ليلونج" وتخلى عنه كل المقربين منه وانعزل في شقة قاصية في ضواحي باريس وربما حتى وفاته.

جارودي.. في عصره الذهبي

يجب أن نعود إلى أواسط السبعينيات لنستحضر العصر الإعلامي والفكري الذهبي "لروجيه جارودي"، حينما كانت وسائل الإعلام الفرنسية تتهافت على بيته، وكان حضور الرجل في المشهد السياسي الفرنسي لا غنى عنه ومثل الفيلسوف السياسي أحد أركانه الأساسية، كان جارودي حينها "اشتراكيا"، ولكنه في الوقت "رمز الثورة على الشيوعية السوفيتية"، وينظر إليه المثقفون الفرنسيون بإعجاب حيث يقول عنه "كلود قليمان" -وهو أحد كتاب سيرته الذاتية- بإعجاب: "جارودي ينتمي إلى جيل من المثقفين والمناضلين الذين لا نستطيع مطلقا أن نحدد وبدقة ما يمكن أن نستشرف آفاقهم الفكرية"(3).

ولا يتوانى كاتب سيرته حينها في إعطاء الصفة الإنسانية لفكر "جارودي" شأنه في ذلك شأن كل عظماء الإنسانية الذين جابوا الشرق والغرب بحثا عن الحقيقة حيث يقول "قليمان": إنسانيا أيضا، الرغبة في السفر تمثل أحد أركان شخصيته والتطلع للذهاب والبحث الميداني، إنه المنفى إلى الأشياء والكائن، حيث إن المسار الماركسي للرجل يجعله يبحث عما هو ملموس، جارودي الفيلسوف سافر كثيرا والأيدولوجيا عنده يجب أن تواجه على الميدان الأفكار". ويضيف المؤلف: "في نظر الفرنسيين أعتقد أن صورة جارودي لا ترتبط بالحزب الشيوعي الفرنسي بقدر ما ترتبط بالجنرال شارل ديجول: أسطورة جميلة وغنية"(4).

منبوذ ككل "نبي مجهول"


جارودي في الوسط يطالع الأخبار أثناء محاكمته

كيف يمكن أن تكون هذه "الأسطورة الجميلة والغنية" على حد تعبير الكاتب إلى وجه كريه وعنصري ومعادٍ للسامية وما الذي جدَّ في حياة "روجيه جارودي" حتى ينبذ ككل "نبي مجهول"؟!

هناك معطى مهم في حياة "روجيه جارودي" ميز حياته ومسيرته الفكرية وهو أنه تحول وانتقل من أكثر من مدرسة وأكثر من منظومة فكرية إلى أخرى ومن نسق عقائدي إلى آخر فالشاب الذي اعتنق البورتستانية في أول أيام حياته سرعان ما تخلى عن جزء منها ليعتنق الفكر الشيوعي وليصبح أحد أبرز المنظرين والمترجمين لأفكار كبار منظري الماركسية ولكنه عاد لينقلب على الشيوعية، ويتحول إلى اعتناق المسيحية الكاثوليكية ومنها انتهى به المطاف إلى الإسلام.

لا شك أننا إزاء شخصية فريدة في التاريخ الإنساني الفكري المعاصر أبرز سماتها التحولات الفكرية، حيث يقول عنه أحد كتاب سيرته باللغة العربية وهو "أبو المجد أحمد": إننا لا نلتقي كل يوم بأمثال هذا الرجل الفذ الذي لا تضلله العبقرية ولا محجب عنه غرور العظمة ضرورة الاستمرار في المضي قدما على الدرب المؤدي إلى الحقيقة"(5).

البعض من المثقفين العرب والمسلمين مضى في احتفاله "باعتناق روجيه جارودي" للإسلام نحو اعتبار أن هذه المرحلة هي مرحلته الأخيرة والنهائية وبالتالي فلا مجال للحديث عن تبدل فكري أو عقدي بعد هذه المرحلة حيث يقول رامي كلاوي وهو أحد كتاب سيرة جارودي بالعربية قائلا: "روجيه جارودي الذي مرَّ بكل هذه التجارب ألتي أحصيناها واحدة بعد أخرى إلى أن وصل إلى محطته الأخيرة.. فأشهر إسلامه رسميا بعد أن اعتنقه نظريا وقلبيا لبعض الوقت"(6).

روجيه.. قبل إسلامه

ولكن من هو "روجيه جارودي" قبل إسلامه؟ إنه صاحب مقولة "الحياة تطرح المسائل والفلسفة تجيب عنها"، ويقول عنه صاحب سيرته الذاتية "سيرج بوريتينو" في كتابه جارودي: "من حظ الفيلسوف أن يعيش مرحلة مفصلية في التاريخ أين تعاد صياغة النظم والقيم ومعاني التاريخ ذاتها وحياة الناس الذين يعيشون هذا التاريخ والذين يطرحون التساؤلات". ويضيف الكاتب: "روجيه جارودي كان له هذا الحظ حيث عاش بصبر هذه المغامرة من قرننا هذا"(7).

طبعًا المراحل المفصلية في حياة "روجيه جارودي" أنه عاش جل المحطات المهمة التي شهدها القرن العشرون، فقد ولد سنة 1913 بمدينة مرسيليا جنوب فرنسا قبيل سنة واحدة من اندلاع الحرب العالمية الأولى وعايش انتهاء الحرب الأولى وتوقيع الهدنة سنة 1918 وعرف صعود النازية في ألمانيا؛ ومن ثم إعلانها الحرب في أوروبا ومقاومتها التي شارك فيها "جارودي" وسجن على إثر ذلك من قبل المارشال "بيرتان" المتعاون الفرنسي مع النازية كما واكب جارودي سقوط ألمانيا النازية وصعود الاتحاد السوفيتي عقب الحرب، حيث كان متبنيا متحمسا للشيوعية.

وكان أول مترجم فرنسي لمؤلفات "لينين"، حيث ناقش في موسكو أول دكتوراة لفرنسي في جامعة موسكو بعنوان "الحرية" غير أن جارودي تمرد على الأفكار الشيوعية ليستقيل أو ليطرد من الحزب الشيوعي سنة 1970، ويمضي في جولة في العالم يقابل فيها أبرز الشخصيات والزعامات العالمية آنذاك مثل: الزعيم الكوبي فيديل كاسترو والزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس الجزائري هواري بومدين والعديد من الرؤساء العرب الآخرين، وينتهي به الأمر إلى اعتناق الإسلام في مدينة جينيف السويسرية سنة 1982 السنة الثانية التي قدم فيها للمحاكمة بعد مقال في جريدة "لوموند" الفرنسية ينتقد فيها الجرائم الإسرائيلية في لبنان على إثر الغزو، وبطبيعة الحال فإن جارودي واكب فيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وقيام ما يسمى بالنظام العالمي الجديد والحربين على العراق من قبل بوش الأب والابن.

إن أهم ما في حياة "جارودي" ليس بالقطع تاريخه النضالي السياسي ضد النازية أو تمرده على قناعاته الشيوعية الموالية للاتحاد السوفيتي، ولكن في اعتباره من أبرز الفلاسفة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى غاية حلول الألفية الجديدة سنة 2004 حيث أخرج كتابه "الإرهاب الغربي"، وقد ألف "روجيه جارودي" حوالي خمسين كتابا، هذا فضلا عن ترجمة للعشرات من الروسية إلى الفرنسية في أثناء فترة تبنيه للفكر الشيوعي.

وتمثل مؤلفاته ثلاث مراحل مهمة من حياته فكتب مثل "الإنسانية والماركسية "، و"أسئلة إلى سارتر"، و"كارل ماركس"، و"من أجل نموذج فرنسي للاشتراكية"، و"فكر هيجل"، و"ما هي الأخلاق الماركسية".. تشكل المرحلة الأولى لفكره الماركسي الشيوعي.

أما المرحلة الثانية من المؤلفات فهي ما يمكن أن نسميها فترة الخروج من القمقم الشيوعي والتمرد على الماركسية نموذجها على سبيل المثال كتب عديدة مثل "الحقيقة كلها"، و"البديل"، وكتابه ذائع الصيت "نداء إلى الأحياء"، و"كيف أصبح الإنسان إنسانيا".

المرحلة الثالثة من المؤلفات يمكن أن نسميها المرحلة الإسلامية وأهم معالمها كتب من أمثال "ما يعد به الإسلام"، و"الإسلام دين المستقبل"، و"الإسلام وأزمة الغرب"، و"هل نحن بحاجة إلى الله"، وطبعا كتابه الذي أدى به إلى المحاكمة "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، و"الأصوليات المعاصرة".

لا شك أنه ليس هناك من المفكرين والسياسيين الفرنسيين من يشك في قيمة "روجيه جارودي" كمفكر وسياسي ومناضل، غير أن السؤال الحائر الذي ظل يراود النخب الفرنسية هو كيف اختار هذا الفيلسوف أن ينبذ كل الميراث الثقافي والفكري الغربي ليعتنق الإسلام؟!

لماذا اعتنق جارودي الإسلام؟


كتاب يتضمن وقائع محاكمة جارودي بتهمة معاداة السامية

ولكن لماذا اعتنق جارودي الإسلام؟! احتفل العالم العربي والإسلامي باعتناق "روجيه جارودي" الإسلام، وذهب الإعلاميون والمفكرون العرب والمسلمون يبحثون عن جذور انجذاب "روجيه جارودي" للإسلام، حيث يذهب العديدون واستنادا إلى أقوال وروايات جارودي ذاتها إلى أن أحد أسباب هذا الانجذاب نحو الإسلام مرده حياة المسلمين العاديين وإخلاصهم لقيمهم واحترامهم للإنسان، حيث يروي جارودي نفسه القصة التالية حينما كان مسجونا في أحد المعتقلات النازية في الصحراء الجزائرية سنة 1941:

"الرابع من آذار مارس سنة 1941 كنا زهاء 500 مناضل من المعتقلين والمسجونين لمقاومتنا الهتلرية. وكنا هجرنا إلى جلفة في جنوب الجزائر وكانت حراستنا بين الأسلاك الشائكة في معسكر الاعتقال مدعومة بتهديد رشاشين، وفي ذلك اليوم بالرغم من أوامر القائد العسكري وهو فرنسي نظمت مظاهرة على شرف رفاقنا من قدامى المتطوعين في الفرق الدولية الإسبانية، وقد أثار عصياننا حفيظة قائد المعسكر فاستشاط غضبا وأنذرنا ثلاثا ومضينا في عصياننا فأمر حاملي الرشاشات وكانوا من جنوب الجزائر بإطلاق النار فرفضوا وعندئذ هددهم بسوطه المصنوع من طنب البقر، ولكنهم ظلوا لا يستجيبون، وما أجدني حيا إلى الآن إلا بفضل هؤلاء المحاربين المسلمين"، ويضيف جارودي: "كانت المفاجأة عندما رفض هؤلاء تنفيذ إطلاق النار ولم أفهم السبب لأول وهلة؛ لأنني لا أعرف اللغة العربية، وبعد ذلك علمت من مساعد جزائري بالجيش الفرنسي كان يعمل في المعسكر أن شرف المحارب المسلم يمنعه من أن يطلق النار على إنسان أعزل، وكانت هذه أول مرة أتعرف فيها على الإسلام من خلال هذا الحدث المهم في حياتي، وقد علمني أكثر من دراسة 10 سنوات في السربون"(8).

طبعا هذه رواية لا تلخص التحول العميق الذي عرفه "روجيه جارودي" نفسه نحو الإسلام، وإن كانت تمثل عاملاً معيشيًّا مهمًّا في حياة الأفراد؛ لأن أساس انجذاب جارودي للإسلام كان فكريا بالدرجة الأولى فالفيلسوف الذي تخلى عن المادية الجدلية ومن التفسيرات الأرسطية والهيجلية والماركسية للمجتمع وللاقتصاد والثقافة والفن وللكون بشكل أشمل والذي مر بتجارب دينية من البروتستانتية إلى الكاثوليكية وجد طريقا فلسفيا للإسلام وبنى اعتناقه للإسلام على رؤية نقدية للإنتاج الفكري الإنساني عامة، حيث يقول في حوار له مع المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري: "الخطيئة الكبرى في الحضارة الغربية أنها اعتمدت صيغة النمو المادي التراكمي.. نمو الإنتاج ونمو الاستهلاك كمعيار أوحد للتقدم وللسعادة وللعمل الإنساني. ولكن ماذا بعد؟

ماذا بعد المزيد والمزيد من إنتاج السيارات والماكينات وأجهزة الكومبيوتر؟ ماذا بعد المزيد والمزيد من البنوك والأرباح المالية؟ ماذا بعد المزيد والمزيد من المدن والطرق والمصانع؟ إلى أين سنصل بعد ذلك.. وأين النمو في القيم والأخلاق والمعاملات والسعادة الحقيقية؟"(9).

وجد "روجيه جارودي" في الإسلام ما لم يجده في غيره من الإيديولوجيات والمعتقدات والأفكار والنظريات الفكرية التي تفرقت بين الكتب والمجلدات وبكلمات أكثر بساطة وفي حوار آخر له في مجلة الأمة القطرية يلخص جارودي أسباب انجذابه للإسلام قائلا: "إذا حكمت على الأمور في ضوء تجربتي الشخصية فإنني أقول: إن ما كان يشغلني هو البحث عن النقطة التي يلتقي فيها الوجدان بالعقل أو الإبداع الفني والشعري بالعمل السياسي العقيدي وقد مكنني الإسلام والحمد لله من بلوغ نقطة التوحيد بينهما ففي حين أن الأحداث في عالمنا تبدو عمياء متطاحنة وقائمة على النمو الكمي والعنف يروضنا القرآن الكريم على اعتبار الكون والبشرية وحدة واحدة يكتسب فيها الدور الذي يسهم به الإنسان معنى"(10).

لقد أشهر جارودي إسلامه يوم 11 من رمضان سنة 1402 هجرية الموافق ليوم 2 من يوليو 1982 في مدينة جينيف السويسرية، حيث كان يزورها لإلقاء بعض المحاضرات في الجامعة، ولكنه ما إن عاد إلى باريس حتى وجد في انتظاره حملة دعائية شرسة من أجهزة الإعلام حتى وصل الأمر إلى تهديده بالقتل إذا لم يتراجع عن إسلامه.

ضد الصهيونية على طول الخط


زوجته الفلسطينية سلمى الفاروقي أكدت أن وراء كل عمل عظيم امرأة

الأكيد أن اكتشاف جارودي للإسلام واعتناقه له جعله يتبنى جل هموم العالم الإسلامي وقضاياه وخاصة في ما يتعلق بقضيته المركزية وهي القضية الفلسطينية، فالفيلسوف الذي تبنى على الدوام آراء فلسفية "جرامشية" اتحد فيها الفكر بالعمل والتحرر عمل منذ البداية على نقد الأطروحة الصهيونية والاستعماري الكولينيالي الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة ومن حينها عرف جارودي المتاعب والمحاكمات التي ظلت تلاحقه إلى آخر أيام حياته وعزلته عن محيطه الثقافي والسياسي الفرنسي إلى الأبد.

ويقول روجيه جارودي متوجها لقاضيه أيام المحاكمة سنة 1998 معرفا الصهيونية "قبل توجيه الاتهام لي ينبغي تعريف الصهيونية وتمييزها عن اليهودية، ولكن البعض يسعى على الدوام إلصاق معاداة السامية بي كلما ذكرت كلمة صهيونية، ولا بد أن أقول هنا إن أسوأ أعداء الإيمان اليهودي النبوي هو المنطق الوطني العرقي الاستعماري للصهيونية القبلية الناشئة عن العصبية الوطنية، وعن الشعور العرقي والسلوك الاستعماري لأوروبا خلال القرن التاسع عشر".

ويضيف جارودي: "إن الصهيونية السياسية التي ابتدعها تيودر هرتزل كانت في نظره حصنا متقدما للحضارة الغربية في مواجهة بربرية الشرق، ولم تكن المسألة اليهودية بالنسبة له مسألة دينية أو اجتماعية بل مسألة قومية، ولم يكن الهم الوحيد للمنظمات الصهيونية آنذاك إنقاذ اليهود بل بناء دولة يهودية بالدرجة الأولى كما لم يكن هم (بن جوريون) إنقاذ اليهود في أوروبا بل إنقاذ الأرض المخصصة لهم وهو جوهر المشروع الصهيوني في فلسطين"(11).

وفي خاتمة جلسات محاكمته أبى "روجيه جارودي" إلا أن يتلى أمام القضاة وأمام الحاضرين وأمام وسائل الإعلام العالمية التي واكبت محاكمته ما اعتبره "شهادة أخيرة" حيث يقول: "لقد كتبت عن المتطرفين والتطرف كل التطرف مهما كان شيوعيا أو مسيحيا أو إسلاميا أو صهيونيا؛ لأن التطرف هو الداء القاتل لعصرنا الحاضر وهو المحرك الأساسي للعنف والحرب"، ويضيف جارودي: "وهده المعركة مهمة ومكملة لجميع مراحل حياتي".

وحينما كانت مصطلحات حوار الحضارات غائبة في أواخر القرن الماضي قال جارودي في كلمته: "لقد أسست في قرطبة مركزا لحوار الحضارات، وبالتعاون مع منظمة اليونيسكو وبمشاركة قيادات دينية من مختلف الديانات"، في هذا المركز يقول جارودي: "كان التلاقي بين اليهودي ابن ميمون والمسلم ابن رشد والمسيحي ألفونس وشهد زيارة حوالي مائة ألف زائر وهو ثمرة تلاقي بين الديانات السماوية الثلاثة"(12).

لا شك أن قوة أفكار "جارودي" في وقتنا هذا هي فكرته التي أطلق بها عنوان لأحد كتبه وهو "حوار بين الحضارات" والذي ألفه سنة 1977 أي قبل أكثر من 30 سنة من بروز هذه الفكرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 ففي حينها، وإضافة إلى الأفكار التي نادى بها في كتابه اعتبر جارودي هذه الفكرة مشروع العمر، وقام بتأسيس سنة 1976 "المعهد الدولي لحوار الحضارات" في جينيف بالتعاون مع منظمة اليونيسكو؛ بهدف "إبراز دور البلاد غير الغربية وإسهامها في الثقافة العالمية حتى يتوقف الحوار ذو البعد الواحد من جانب الغرب أو المونولوج الذي يقوم على وهم وعقدة التفوق عند الإنسان الغربي"(13).

ويقول جارودي في مقدمة كتابه "حوار بين الحضارات": "في كل مرحلة من هذه المسيرة حول العالم قرأت كتب الإنسان المقدسة (زاندافستا) الزراديتشيين في إيران وملحمة جلجامش عن الخليج العربي وملحمة رامانايا في دلهي.. وقرأت القرآن مثلما قرأت التوراة. ومن هذه الأنوار الماضية كان أناسي عصرنا يمتحنون معنى وجودهم وترتدي وجهها الإنساني"(14).

هوامش ومصادر:

(1)غارودي في المحرقة – محاكمة تفكيك الأساطير الصهيونية نص جلسات المحاكمة ص 40 – 41 – شاكر نوري – مؤسسة الرافد للنشر و التوزيع 1998 , لندن المملكة المتحدة.

(2) نفس المصدر – ص 49 – 50.

(3) Garaudy par Garaudy – entretiens avec Claude Glayman p 10 – la table ronde de combat – paris 1970

(4) Garaudy par Garaudy p 11.

(5) رحلة فكر و حياة رجاء غارودي ص 19 – ابو المجد احمد – درا البعث للطباعة و النشر قسنطينة الجزائر 1983

(6) روجيه غارودي من الإلحاد إلى الإيمان لقاءات و محاضرات ص 118 – رامي كلاوي – دار قتيبة ديمشق سوريا 1994 .

(7) Garaudy – Serge perottino – editions SEGHERS – Paris 1969 .

(8)دراسة لكتاب حوار الحضارات لمحمد المزالي ص 28-29 مجلة الفكر التونسية سبتمبر 1977 .

(9) مجلة الدوحة ديسمبر 1982 محمد جابر الانصاري.

(10) مجلة الأمة العدد 29السنة الثالثة – فيفري 1983.

(11) غارودي في المحرقة – ص 69.

(12) le procès de la liberté – Roger Garaudy et maitre Jacques verges – édition vent du large – paris 1998 .

(13) رحلة فكر و حياة رجاء غارودي ص 91.

(14) كتاب "حوار بين الحضارات" روجيه غارودي – المقدمة.


--------------------------------------------------------------------------------


http://www.islamonline.net/servlet/S...re%2FACALayout
Reply

Login/Register to hide ads. Scroll down for more posts
north_malaysian
01-19-2008, 11:43 PM
مين روجير غارودي؟
:hiding::hiding::hiding:
Reply

جوري
01-19-2008, 11:53 PM
lol --he is a french Muslim philosopher and journalist, who is shunned because he wrote against zionism!

:w:
Reply

Hey there! Looks like you're enjoying the discussion, but you're not signed up for an account.

When you create an account, you can participate in the discussions and share your thoughts. You also get notifications, here and via email, whenever new posts are made. And you can like posts and make new friends.
Sign Up
British Wholesales - Certified Wholesale Linen & Towels | Holiday in the Maldives

IslamicBoard

Experience a richer experience on our mobile app!