جوري
Soldier Through It!
- Messages
- 27,759
- Reaction score
- 6,095
- Gender
- Female
- Religion
- Islam
المختصر/ في حقبة تفوُّق الغرب المادي وقدرته على التسويق لأفكاره ومبادئه، وأثناء غياب العدل في أنظمة الدول العربية والإسلامية؛ دعا كثير من المفكرين المسلمين إلى الديمقراطية، وألبسوها ثياباً إسلامية، واستخرجوا لها ما يسندها من نصوص الكتاب والسنة، زاعمين أن الإسلام سبق الغربيين إلى الديمقراطية التي هي من صميم الإسلام!!
والحقيقة أن الديمقراطية مناقضة للإسلام في أصول عدة، هي:
الأصل الأول: أن الديمقراطية نظام سياسي عَلماني يُعنى بأمور الدنيا ولا يلتفت للآخرة لا من قريب ولا من بعيد، وليس له علاقة بالدين مطلقاً، واعترافه بحق تديُّن الشخص واحترام اختياره لما يدين به ليس احتراماً للدين ذاته، وإنما هو احترام للإنسان الذي يدين به؛ ولذا فإن كل الأديان والمذاهب في الميزان الديمقراطي سواء، إلا ما ينافي الديمقراطية باعتبارها عند القائلين بها حقيقة مطلقة نهائية، فما عارَضها يجب نفيه وعدم الاعتراف بحقه في ذلك.. بينما النظام السياسي في الإسلام يراعي مسألتي الدين والدنيا، ويقدم الدين على الدنيا؛ ولذا كان حفظ الدين أولى الضرورات الخمس التي راعت الشريعة حفظها، وهو أهمها وأعلاها وأصلها، وبقية الضرورات تبعٌ له، بل إن الإسلام يجعل الدنيا مطية للدين، وليس العكس، فكل ما يتعارض مع الشريعة مما يظن فيه مصلحة فهي مصلحة ملغاة لا اعتبار لها، قال السعدي - رحمه الله تعالى: حقيقة المصلحة هي التي تصلح بها أحوال العباد، وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية[1]. ولذا يقرن علماء الحضارة والاجتماع والعمران من المسلمين في معالجة الحكم والسياسة وشؤون الدولة؛ بين أمور الدين والدنيا، ويرعون مصالح الدنيا والآخرة، ولا يفصلون بينهما في المعالجة.
قال ابن خلدون - رحمه الله تعالى: والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها؛ إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة[2]. وفي تفسير قول الله تعالى: {وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] قال ابن عاشور - رحمه الله تعالى: تعقيب ذكر خلق الأرض ثم السماوات بذكر إرادته تعالى جعل الخليفة دليلاً على أن جعل الخليفة كان أول الأحوال على الأرض بعد خلقها... فالخليفة آدم وخلفيته قيامه بتنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي، وتلقين ذريته مراد الله من هذا العالم الأرضي، ومما يشمله هذا التصرف تصرف آدم بسنِّ النظام لأهله وأهاليهم على حسب وفرة عددهم واتساع تصرفاتهم، فكانت الآية من هذا الوجه إيماءً إلى حاجة البشر لإقامة خليفة؛ لتنفيذ الفصل بين الناس في منازعاتهم، إذ لا يستقيم نظام يجمع البشر دون ذلك، وقد بعث الله الرسل، وبيَّن الشرائع، فربما اجتمعت الرسالة والخلافة، وربما انفصلتا، بحسب ما أراد الله من شرائعه، إلى أن جاء الإسلام فجمع الرسالة والخلافة؛ لأن دين الإسلام غاية مراد الله تعالى من الشرائع، وهو الشريعة الخاتمة؛ ولأن امتزاج الدين والملك هو أكمل مظاهر الخطتين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، ولهذا أجمع أصحاب رسول الله بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على إقامة الخليفة؛ لحفظ نظام الأمة، وتنفيذ الشريعة، ولم ينازع في ذلك أحد من الخاصة ولا من العامة إلا الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى من جفاة الأعراب ودعاة الفتنة[3].
الأصل الثاني: اختلاف مفهوم الأمة والشعب بين الفكر الغربي والتقرير الشرعي؛ ففي الفكر الغربي الشعب أو الأمة هم من يعيشون في حدود جغرافية، فهي رابطة عنصرية حادثة، بينما في الإسلام فالأمة هي من تجمعها عقيدة الإسلام وشريعته[4].. هذا هو الأصل، وهو الذي يجب تكريسه في وجدان المسلم أياً كان جنسه أو لونه أو لسانه، وهو المعمول به في أمة الإسلام يوم أن كانت تجمعهم خلافة واحدة إلى سقوط الدولة العثمانية، فحاول الغربيون فصم عرى الرابطة الإيمانية بين المسلمين، وإحلال روابط أخرى كالقومية والوطنية ونحوها على غرار ما حصل في الغرب، فالاستفتاء الشعبي في العملية الديمقراطية يكون للأمة، لكن من هي هذه الأمة؟!
في الفكر الغربي هي الدولة الوطنية التي تجمعها حدود جغرافية، وأما في مفهوم الإسلام فالأمة مجموعة أفراد تجمعهم رابطة الدين، فكيف يكون الاستفتاء حينئذ على دول مجزَّأة؟!
إضافة إلى أن مفهوم الأمة بالمعنى الشرعي لا يدخل فيه غير المسلم ولو كان من البلد نفسه، وأما مفهوم الأمة بالمعنى الغربي فيدخل غير المسلم فيه، وهو شريك في عملية الاستفتاء بل والترشح للمناصب العليا في الدولة ما دام داخلاً في الحدود الجغرافية للدولة أو يحمل جنسيتها، وهذا يهدم أصلاً في الإمامة العظمى بالمفهوم الشرعي، وهو اشتراط الإسلام والعدالة في الإمام.
وفي بيان حقيقة الأمة، وانتماء الأفراد إليها قال الله تعالى مخاطباً المسلمين {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 92]، وقال أيضاً: {وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، قال القرطبي - رحمه الله تعالى: وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد، فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماع أهلها..[FONT=Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif]
والحقيقة أن الديمقراطية مناقضة للإسلام في أصول عدة، هي:
الأصل الأول: أن الديمقراطية نظام سياسي عَلماني يُعنى بأمور الدنيا ولا يلتفت للآخرة لا من قريب ولا من بعيد، وليس له علاقة بالدين مطلقاً، واعترافه بحق تديُّن الشخص واحترام اختياره لما يدين به ليس احتراماً للدين ذاته، وإنما هو احترام للإنسان الذي يدين به؛ ولذا فإن كل الأديان والمذاهب في الميزان الديمقراطي سواء، إلا ما ينافي الديمقراطية باعتبارها عند القائلين بها حقيقة مطلقة نهائية، فما عارَضها يجب نفيه وعدم الاعتراف بحقه في ذلك.. بينما النظام السياسي في الإسلام يراعي مسألتي الدين والدنيا، ويقدم الدين على الدنيا؛ ولذا كان حفظ الدين أولى الضرورات الخمس التي راعت الشريعة حفظها، وهو أهمها وأعلاها وأصلها، وبقية الضرورات تبعٌ له، بل إن الإسلام يجعل الدنيا مطية للدين، وليس العكس، فكل ما يتعارض مع الشريعة مما يظن فيه مصلحة فهي مصلحة ملغاة لا اعتبار لها، قال السعدي - رحمه الله تعالى: حقيقة المصلحة هي التي تصلح بها أحوال العباد، وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية[1]. ولذا يقرن علماء الحضارة والاجتماع والعمران من المسلمين في معالجة الحكم والسياسة وشؤون الدولة؛ بين أمور الدين والدنيا، ويرعون مصالح الدنيا والآخرة، ولا يفصلون بينهما في المعالجة.
قال ابن خلدون - رحمه الله تعالى: والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها؛ إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة[2]. وفي تفسير قول الله تعالى: {وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] قال ابن عاشور - رحمه الله تعالى: تعقيب ذكر خلق الأرض ثم السماوات بذكر إرادته تعالى جعل الخليفة دليلاً على أن جعل الخليفة كان أول الأحوال على الأرض بعد خلقها... فالخليفة آدم وخلفيته قيامه بتنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي، وتلقين ذريته مراد الله من هذا العالم الأرضي، ومما يشمله هذا التصرف تصرف آدم بسنِّ النظام لأهله وأهاليهم على حسب وفرة عددهم واتساع تصرفاتهم، فكانت الآية من هذا الوجه إيماءً إلى حاجة البشر لإقامة خليفة؛ لتنفيذ الفصل بين الناس في منازعاتهم، إذ لا يستقيم نظام يجمع البشر دون ذلك، وقد بعث الله الرسل، وبيَّن الشرائع، فربما اجتمعت الرسالة والخلافة، وربما انفصلتا، بحسب ما أراد الله من شرائعه، إلى أن جاء الإسلام فجمع الرسالة والخلافة؛ لأن دين الإسلام غاية مراد الله تعالى من الشرائع، وهو الشريعة الخاتمة؛ ولأن امتزاج الدين والملك هو أكمل مظاهر الخطتين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، ولهذا أجمع أصحاب رسول الله بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام على إقامة الخليفة؛ لحفظ نظام الأمة، وتنفيذ الشريعة، ولم ينازع في ذلك أحد من الخاصة ولا من العامة إلا الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى من جفاة الأعراب ودعاة الفتنة[3].
الأصل الثاني: اختلاف مفهوم الأمة والشعب بين الفكر الغربي والتقرير الشرعي؛ ففي الفكر الغربي الشعب أو الأمة هم من يعيشون في حدود جغرافية، فهي رابطة عنصرية حادثة، بينما في الإسلام فالأمة هي من تجمعها عقيدة الإسلام وشريعته[4].. هذا هو الأصل، وهو الذي يجب تكريسه في وجدان المسلم أياً كان جنسه أو لونه أو لسانه، وهو المعمول به في أمة الإسلام يوم أن كانت تجمعهم خلافة واحدة إلى سقوط الدولة العثمانية، فحاول الغربيون فصم عرى الرابطة الإيمانية بين المسلمين، وإحلال روابط أخرى كالقومية والوطنية ونحوها على غرار ما حصل في الغرب، فالاستفتاء الشعبي في العملية الديمقراطية يكون للأمة، لكن من هي هذه الأمة؟!
في الفكر الغربي هي الدولة الوطنية التي تجمعها حدود جغرافية، وأما في مفهوم الإسلام فالأمة مجموعة أفراد تجمعهم رابطة الدين، فكيف يكون الاستفتاء حينئذ على دول مجزَّأة؟!
إضافة إلى أن مفهوم الأمة بالمعنى الشرعي لا يدخل فيه غير المسلم ولو كان من البلد نفسه، وأما مفهوم الأمة بالمعنى الغربي فيدخل غير المسلم فيه، وهو شريك في عملية الاستفتاء بل والترشح للمناصب العليا في الدولة ما دام داخلاً في الحدود الجغرافية للدولة أو يحمل جنسيتها، وهذا يهدم أصلاً في الإمامة العظمى بالمفهوم الشرعي، وهو اشتراط الإسلام والعدالة في الإمام.
وفي بيان حقيقة الأمة، وانتماء الأفراد إليها قال الله تعالى مخاطباً المسلمين {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 92]، وقال أيضاً: {وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، قال القرطبي - رحمه الله تعالى: وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد، فجعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماع أهلها..[FONT=Verdana, Arial, Helvetica, sans-serif]